الرميثة مدينة فراتية يانعة لها طعم البن والتمر والقهوة، نسيجها مغزول من شط سمي باسمها على ضفتيه سجادة نقشتها عشائر الظوالم وآل بو حسان وبني زريج وبني عارض في لحمة كونت ذاكرة النضال العراقي في العصر الحديث... تلك المدينة التي أشعلت ثورة العراق الكبرى في الثلاثين من حزيران عام 1920.
والرميثة تقع شمالي مدينة السماوة وتبعد عنها بمسافة (25) كم وتربطها عدة طرق معبدة.. استحدثها القضاء بموجب المرسوم الجمهوري المرقم 402 في 30/6/1920 وكانت المدينة في بدايات نشوءها قرية صغيرة لها أهمية في العهد العثماني وقد اتخذتها قوات الاحتلال البريطاني أبان الاحتلال معسكرا للتموين والمواصلات لتغذية القوات الزاحفة من البصرة والناصرية باتجاه ولاية بغداد آنذاك.
أما تسميتها فقد اختلف المؤرخون حولها فسميت بـ(العوجة) نسبة إلى نهر يشق المدينة فيه اعوجاج وسميت بـ(الأبيض)نسبة إلى(أسد ابيض) كان موجودا او مختبئا في رمث المنطقة لذا سميت بالرميثة نسبة إلى النبات الذي كان يغطي الأسد وقد استقرت على هذه التسمية.
|
من أسماء الرميثة: سميت بـ(الأبيض)نسبة إلى(أسد ابيض) كان موجودا او مختبئا في رمث المنطقة لذا سميت بالرميثة نسبة إلى النبات الذي كان يغطي الأسد وقد استقرت على هذه التسمية. |
|
"وكالة س.ر للأنباء" حلت في رحاب مدينة الرميثة حيث المجد والرفعة والمقاومة التي زلزلت الكيان الاستعماري بشرف وعفة وصدق الانتماء لهذا الوطن".
عـــشـــائر الســـــماوة
يقول الكاتب والقاص زيد الشهيد "تضم محافظة المثنى عدد من العشائر العربية المهمة التي تشكل كثافة عددية يعتد بها في مقارنة موازنتها مع سكان المدن التي تشكل هيكلية المحافظة. وتحيط السماوة عديد العشائر فمن الشمال تتوزع عشيرة آلبو جياش ولها بطون هي الشنابرة وآل بو جراد وآل زويد، وفي شرق المدينة ينتشر آل غانم وآل عبس والبركات وآلبو جراد والعطاوة وهي من العشائر الكبيرة التي تنتمي لبني حجيم وتضمهم ناحية السوير(منطقة الزريجية). وإلى الجنوب والغرب تنتشر عشيرة آل زياد وهي من العشائر الكبيرة جداً ولها
بطون كثيرة منها آلبو حمد وآل بلحة وآلبو حسان والدراوشة وآل عصيدة وآل ديم . والى جانبهم تنتشر عشيرة الأعاجيب وعشيرة بني سلامة . وفي غرب المدينة تنتشر عشيرة آل رباط ومعهم آل زياد . وإلى جنوب السماوة حيث قضاء الخضر: الذي تنتشر حوله وفيه عشائر الجوابر.. والفرطوس.. وآل غليظ.. وآل عبس التي تمتد عشيرتهم من جنوب السماوة وحين الاتجاه شمال السماوة باتجاه (الرميثة).
ويضيف "وفي قضاء الرميثة فان عشائر بني زريج والظوالم والخزاعل وبني عارض وآلبو حسان وهي العشائر التي من صميمها تفجرت ثورة العشرين وقائدها شعلان أبو الجون والمخطط لها غثيث آل حرجان. وقد شهدت هذه الرقعة الجغرافية ثورات وانتفاضات ناهضت المحتلين الأجانب العثمانيين والإنكليز مثلما شهدت تدمير وتعذيب واستباحة لأهلها وصل حد قصف المدن بالطائرات".
وتابع الكاتب ان"(هالدين) قائد القوات الإنكليزية في الرميثة يذكر أن القيادة البريطانية قصفت المدينة في12 تموز من العام1920 بالقنابل من تسع طائرات قاصفة منزلة فتكاً وتدميراً بالمدينة وساكنيها.
ثورة وطنية شعبية عراقية
في منطقة الظوالم حيث مضيف الشيخ ناجح كامل غثيث آل حرجان (ابو هيثم) شيخ عشيرة الظوالم وعميدها استقبلنا الشيخ بكل حفاوة معهودة وتحدث إلينا قائلاً ثورة العشرين لم تقم على عاتق عشيرة واحدة من عشائر العراق، ولا على كاهل رجل واحد من رجالات العراق، ولا كانت ثورة فراتية بحتة ولكنها كانت ثورة وطنية شعبية عراقية شملت العراق من شماله الى جنوبه بعربه وكرده وسائر أقلياته"
|
شيخ عشيرة الظوالم: ثورة العشرين لم تقم على عاتق عشيرة واحدة من عشائر العراق، ولا على كاهل رجل واحد من رجالات العراق، ولا كانت ثورة فراتية بحتة ولكنها كانت ثورة وطنية شعبية عراقية شملت العراق من شماله الى جنوبه بعربه وكرده وسائر أقلياته |
|
ويسرد الشيخ ناجح تفاصيل الثورة منذ الشرارة الأولى بالقول "كان الميجر ديلي حاكم لواء الديوانية السياسي من اشد الحكام البريطانيين وطأة وبطشاً على الأهالي، وكان رؤساء عشائرها والظوالم خصوصا من أقطاب التحالف الذي تم في كربلاء في ليلة النصف من شعبان، ولما تلقى الميجر ديلي معلومات عن النجف والمشخاب وما يعقد فيها من اجتماعات سرية وما يلقى فيها من خطب حماسية وقصائد شعرية مهيجة للرأي العام قرر البطش برؤساء القبائل في الديوانية والرميثة والسماوة وعفك والدغارة قبل ان يفاجئوا السلطة بعدائهم السافر" وتابع القول ان الميجر ديلي كتب "إلى اللفتنانت هيآت نائب الحاكم السياسي في الرميثة ان يستدعي كلا من الشيخ شعلان ابو الجون والشيخ غثيث حرجان ويرسلهما إلى الديوانية مخفورين. في هذا الوقت كانت عشيرة الظوالم مجتمعة لبناء مضيف شيخهم غثيث وكان معهم الشيخ شعلان جاء مباركا لبناء المضيف فتزامن ذلك الوقت،مع مجيء شرطيين من قبل الضابط السياسي في الرميثة يطلب حضورهما أمام الميجر ديلي".
ويتابع الشيخ ناجح ان "شعلان سأل غثيث ما رأيك في هذا الطلب وبماذا نواجه مكر هؤلاء الغزاة؟ فأجابه غثيث قائلا: اذهبُ أنا معهما وتبقى أنت لتخلصني من قبضتهم لأنهم ينوون بنا الغدر والتنكيل، فرد عليه شعلان بقوله: أنا الذي سأذهب معهم لمواجهة الحاكم الانجليزي وتبقى أنت لإنقاذي من السجن.
فذهب شعلان إلى الرميثة قبل ظهر يوم الجمعة الموافق 29 حزيران يونيو 1920 وبرفقته أخوة الشيخ غثيث كل من أبو عيون حرجان وجنحيت كاطع ليتجليا الأمر، وعند وصوله الرميثة ومثوله أمام الضابط الانجليزي أمر باعتقاله واسمعه كلاما قاسيا لا يمكن لرئيس قبيلة ان يتحمله فطلب الشيخ شعلان من مرافقيه بلغة شفرية (أرسلوا تسعة ليرات ذهبية وملابس) وكان يعني إرسال تسعة رجال أشداء يبذلون الدماء رخيصة لانتشاله من مخالب السجانة اللعناء. فأختار غثيث تسعة رجال من بين الحاضرين طالبا منهم اقتحام سجن الرميثة وإخراج شعلان عنوة.
ويستطرد الشيخ ناجح "وعند وصولهم بستان آل اسود القريب من الرميثة ذهب أحدهم ليخبر شعلان بالأمر ولدى وصوله المركز طلب من الحارس ان يأذن له بالدخول، لكن الحارس منعه من الدخول، فرد عليه قائلا: سنخرجه عما قريب رغم انفك ان شاء الله، وانقلب راجعا إلى جماعته فاخبرهم بما جرى مع الحارس. فنهضوا متسترين على بنادقهم واندفعوا عصر ذلك اليوم(السبت الموافق 30 حزيران 1920)بقوة نحو السجن وعبروا جسر الرميثة، وصادف في ذلك الوقت وجود حطاب بالقرب منهم على الجسر فأخذ أحدهم فأسه، وعند وصولهم المركز شهروا بنادقهم نحو الحراس وهي تمطر لظىً فقتلوا منهم اثنين وأطلقوا سراح سجينهم شعلان".
ويواصل الشيخ ناجح حديثه بالقول"اتجهوا به(شعلان) صوب طريق آل عبدالله (البوحسان) وهم يطلقون النار نحو مدينة الرميثة ليشقوا طريقا لهم للخروج سالمين وهم يرددون هوساتهم الشعبية (بين الحر ممشاك براضة) فكانت هذه الرصاصات الأولى التي انطلقت في هذا اليوم الذي شهد شرارة الثورة العراقية الكبرى التي أذنت بانتشار الثورة في أنحاء البلاد فيما بعد" مضيفاً "ان عشيرة الظوالم قدمت350 شهيداُ" وذكر الشيخ قصة مفادها ان "جابر الشرمة(احد أفراد عشيرة الظوالم) يرى فوهة بندقية حبشان ظاهرة للعيان فقال له: ياحبشان غط بندقيتك فإنها ظاهرة فأجابه حبشان: بعد قليل ستسمعها وهي تهلهل وستراها تحرر شعلان من قبضة الانكليز".
نماذج من الهوسات
الشاعر زهير هادي الرميثي قال "لعب الأهازيج في رفع الروح المعنوية للمقاتلين وقد صدحت حناجر كل الشعراء الشعبيين والمهوال في رفد ساحة الحرب بالأشعار والهوسات فهناك احد الشعراء من آل ازيرج مخاطبا(هاملتن) القائد الانكليزي عندما أراد الهجوم عليهم:
ذوله افروخ الازرج موش أهل لملوم
يهاملتن تأدب لا تزومش دوم
بالسنكي معاك نريد نصفه اليوم
(رد لا تتدهده بحلك آفه)
أما المهوال محمد آل صيته عندما شاهد بنات آوى يتطلعن إلى جثث جنود الانكليز قال:
واوي الكوت متعني او متمور
يكول اشهل ربيعه اشكثر بيه اكسور
واوي لعارضيه ايكله من ياخور
(يتكلب وهله يندهونه)
أما شعلان أبو الجون فقد خاطب رجاله الذين يحرسون (جسر السوير) ويهيمنون عليه:
أكلن لج يجامعة الحسن عيناج
فن كوكس اوديلي ابعسكره يدناج
كون اهلج جفوج احنه بطرب جيناج
(خل يا من كلبج يرعيعه)
وعندما هاجم ابو الجون القوات الانكليزية في الرميثة قال: "(حل فرض الخامس كوموله).
اما الشيخ شعلان العطيه الذي كان يعاني من رعشة في رأسه وقد استهزأ احد قادة الانكليز برعاشة، وسأله لماذا أنت ترتعش؟ فأجابه بعد ان انقض على القائد الانكليزي هو وأفراد من عشيرته وأردوهم قتلى فهوّس الشيخ شعلان فكانت الإجابة لسؤال القائد الانكليزي: "أرعش ما أرعش هذا انه".
وحين أراد النظام المقبور ان يسرق ثورة العشرين من أصحابها فانبرا الشعر الشعبي مندداً بهذه السرقة:
لون شعلان يدري انباكت الثورة
جا شك التراب وطلع من كبره
وعلى جسر السوير اصبحت هالمسألة الكبرى؟
الشاهد يدري الشاهد احنه أيتام من العشرين
الموضوع منقول